فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي: {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه: أن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى إذا اشتملت على بيوت مصر أحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فدعا السحرة، والكهنة، والعافة، والزجرة. وهم العافة الذين يزجرون الطير فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه- يعنون بيت المقدس- رجل يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر بني إسرائيل أن لا يولد لهم ولد إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجًا فادخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعلوا بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وادخلوا غلمانهم. فذلك حين يقول: {إن فرعون علا في الأرض} يقول: تجبر في الأرض {وجعل أهلها شيعًا} يعني بني إسرائيل {يستضعف طائفة منهم} حين جعلهم في الأعمال القذرة، وجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح فلا يكبر صغير.
وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت، فأسرع فيهم. فدخل رءوس القبط على فرعون فكلموه فقالوا: إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا تذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار فيعينون الكبار، فلو أنك كنت تبقي من أولادهم. فأمر أن يذبحوا سنة، ويتركوا سنة، فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هرون عليه السلام. فترك، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت أم موسى بموسى عليه الصلاة والسلام، فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه، فلما وضعته أرضعته ثم دعت له نجارًا وجعلت له تابوتًا، وجعلت مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه، وألقته في اليم بين أحجار عند بيت فرعون، فخرجن جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت، فادخلنه إلى آسية وظنن أن فيه مالًا، فلما تحرك الغلام رأته آسية صبيًا، فلما نظرته آسية وقعت عليه رحمتها وأحبته.
فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا. فبينما هي ترقصه وتلعب به إذ ناولته فرعون وقالت: خذه {قرة عين لي ولك} [القصص: 9] قال فرعون: هو قرة عين لك- قال عبد الله بن عباس: ولو قال هو قرة عين لي إذًا لآمن به، ولكنه أبى- فلما أخذه إليه أخذ موسى عليه السلام بلحيته فنتفها فقال فرعون: عليَّ بالذباحين هو ذا.
قالت آسية: لا تقتله {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا} [القصص: 9] إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه، أنا أضع له حليًا من الياقوت، وأضع له جمرًا فإن أخذ الياقوت فهو يعقل اذبحه، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي، فاخرجت له ياقوتًا، ووضعت له طستًا من جمر، فجاء جبريل عليه السلام فطرح في يده جمرة، فطرحها موسى عليه السلام في فيه فاحرقت لسانه، فارادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء، وجعلن النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع فأبى أن يأخذ.
فجاءت أخته فقالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} فأخذوها فقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت: ما أعرفه ولكن إنما هم للملك ناصحون. فلما جاءته أمه أخذ منها. وكادت تقول: هو ابني. فعصمها الله فذلك قوله: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} قال: قد كانت من المؤمنين ولكن بقول: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} قال السدي: وإنما سمي موسى لأنهم وجدوه في ماء وشجر والماء بالنبطية مو الشجر سى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون} يقول: في هذا القرآن نبؤهم {إن فرعون علا في الأرض} أي بغى في الأرض {وجعل أهلها شيعًا} أي فرقًا.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وجعل أهلها شيعًا} قال: فرق بينهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وجعل أهلها شيعًا} قال: يتعبد طائفة، ويقتل طائفة، ويستحيي طائفة.
أما قوله تعالى: {إنه كان من المفسدين}.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: لقد ذكر لنا أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار، ثم يصف بعضه إلى بعض، ثم يؤتى بحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه، فيجز أقدامهن حتى أن المرأة منهم لتضع بولدها، فيقع بين رجليها، فتظل تطؤه وتتقي به حد القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها. حتى أسرف في ذلك وكان يفنيهم قيل له: أفنيت الناس، وقطعت النسل، وإنما هم خولك وعمالك، فتأمر أن يقتلوا الغلمان عامًا، ويستحيوا عامًا، فولد هرون عليه السلام في السنة التي يستحيي فيها الغلمان، وولد موسى عليه السلام في السنة التي فيها يقتلون، وكان هرون عليه السلام أكبر منه بسنة، فلما أراد الله بموسى عليه السلام ما أراد واستنقاذ بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء، أوحى الله إلى أم موسى حين تقارب ولادها {أن أرضعيه} [القصص: 7].
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)}.
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} قال: يوسف وولده.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} قال: هم بنو إسرائيل {ونجعلهم أئمة} أي هم ولاة الأمر {ونجعلهم الوارثين} أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} قال: ما كان القوم حذروه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونجعلهم الوارثين} قال: يرثون الأرض بعد آل فرعون، وفي قوله: {ونري فرعون} الآية قال: كان حاز يحزي لفرعون فقال: إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم وكان فرعون {يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم} حذرًا لقول الحازي فذلك قوله: {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله قال: قال عمر رضي الله عنه: إني استعملت عمالًا لقول الله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {نَتْلُواْ} يجوز أَنْ يكونَ مفعولُه محذوفًا، دَلَّتْ عليه صفتُه وهي {مِن نَّبَإِ موسى} تقديرُه: نَتْلو عليك شيئًا مِنْ نَبأ موسى. ويجوزُ أَنْ تكونَ {مِنْ} مزيدةً على رَأْيِ الأخفش. أي: نَتْلُو عليك نَبَأ موسى.
قوله: {بالحق} يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا مِنْ فاعلِ {نَتْلو} أو من مفعولِه أي: مُلْتبسين أو مُلْتبسًا بالحقِّ، أو متعلقٌ بنفسِ {نَتْلو} بمعنى: نَتْلوه بسببِ الحقِّ. و{لقوم} متعلقٌ بفعلِ التلاوةِ أي: لأجلِ هؤلاء.
قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ} هذا هو المتلُوُّ فجيءَ به في جملةٍ مستأنفةٍ مؤكِّدة.
قوله: {يَسْتَضْعِفُ} يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مستأنِفٌ، بيانٌ بحالِ الأهل الذين جَعَلهم فِرَقًا وأصنافًا. الثاني: أنه حالٌ مِنْ فاعلِ {جَعَل} أي: جعَلَهم كذا حالَ كونِه مُسْتَضْعِفًا طائفةً منههم. الثالث: أنه صفةٌ ل {شِيَعًا}.
قوله: {يُذَبِّحُ} يجوزُ فيه ثلاثةُ الأوجهِ: الاستئنافُ تفسيرًا ل {يَسْتَضْعِفُ} أو الحالُ مِنْ فاعِله، أو صفةٌ ثانيةٌ لطائفة. والعامَّةُ على التشديدِ في {يُذَبِّح} للتكثير. وأبو حيوة وابن محيصن {يَذْبَحُ} مفتوحَ الياءِ والباءِ مضارعَ ذَبَحَ مخففًا.
قوله: {وَنُرِيدُ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنه عطفٌ على قولِه: {إنَّ فرعونَ} عطفَ فعليةٍ على اسميةٍ، لأنَّ كلتيهما تفسيرٌ للنبأ. والثاني: أنَّها حالٌ مِنْ فاعلِ {يَسْتَضْعِفُ} وفيه ضعفٌ من حيث الصناعةُ، ومن حيث المعنى. أمَّا الصناعةُ فلكونِه مضارعًا مُثْبتًا فحقُّه أن يتجرَّد مِن الواوِ. وإضمارُ مبتدأ قبلَه أي: ونحن نريدُ كقولِه:
وأرْهَنُهُمْ مالِكًا

تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه. وأمَّا المعنى فكيف يَجْتمع استضعافُ فرعونَ وإرادةُ المِنَّةِ من اللهِ؟ لأنه متى مَنَّ الله عليهم تَعَذَّرَ استضعافُ فرعونَ إياهم. وقد أُجيب عن ذلك. بأنَّه لمَّا كانت المِنَّةُ بخلاصِهِم مِنْ فرعونَ سريعةَ الوقوعِ، قريبتَه، جُعِلَتْ إرادةُ وقوعِها كأنها مقارِنَةٌ لاستضعافِهم.
قوله: {وَنُمَكِّنَ} العامَّةُ على ذلك مِنْ غير لامِ علةٍ. والأعمش {ولِنُمَكِّنَ} بلامِ العلةِ، ومتعلَّقُها محذوفٌ أي: ولنمكِّنَ فَعَلْنا ذلك.
قوله: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ} قرأ الأخوانَ {يرى} بفتح الياءِ والراءِ مضارعَ رَأى مسندًا إلى فرعونَ وما عُطِفَ عليه فلذلك رفعوا. والباقون بضمِّ النون وكسرِ الراءِ مضارعَ أرى؛ ولذلك نُصِبَ فرعنن وما عُطِف عليه مفعولًا أولَ. و{ما كانوا} هو الثاني و{منهم} متعلِّقٌ بفعلِ الرؤيةِ أو الإِراءة، لا ب {يَحْذَرون} لأنَّ ما بعد الموصولِ لا يَعْمَلُ فيما قبلَه. ولا ضرورةَ بنا إلى أَنْ نقول: اتُسِعَ فيه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
سورة القصص:
قوله جل ذكره: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
بسم الله اسم عزيز من تعرض لجدواه يسر له دنياه وعقباه، اسم عزيز من اشتاق إلى لقياه استعذب فيه ما يلقاه من بلواه، ومن طلب غيره مؤنسا في دنياه أو عقباه {ضل من تدعون إلا إياه} [الإسراء: 67].
قوله جل ذكره: {طسم تلك آيات الكتاب المبين} الطاء تشير إلى طهارة نُفُوسِ العابدين عن عبادة غير الله، وطهارة قلوب العارفين عن تعظيم غير الله، وطهارة أرواح الواجدين عن محبة غير الله، وطهارة أسرار الموحِّدين عن شهود غير الله. والسين تشير إلى سِرِّ اللَّهِ مع العاصين بالنجاة، ومع المطيعين بالدرجات، ومع المحبين بدوام المناجاة. والميم تشير إلى مِنَّتِه على كافة المؤمنين بكفاية الأوقات والثبات في سبيل الخيرات.
{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)}.
سماعُ قصةِ الحبيبِ من الحبيب يُوجِبُ سلوةَ القلب، وذهابَ الكَرْبِ، وبهجةَ السِّرِّ، وثَلَج الفؤاد. وقد كرَّر ذكر قصة موسى تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لقَدْرِه، ثم زيادةً في البيان لبلاغة القرآن، ثم إفادةً لزوائدَ في المذكور قولُه في كل موضع يتكرر فيه.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)}.
تكبَّر فرعونُ بغير حقٍّ فأقماه بحقٍّ، وتجبَّرَ بغير استحقاق فأَذَلَّة الله باستحقاق واستيجاب، وجعل أهلها شيعًا يذبِّح أبناءَهم بعد ما استضعفهم، ويستحي نساءَهم، وأفنى منهم من كان... وبالفساد حَكَمَ فيهم، واللَّهُ لم يرضَ بِتَرْكِ إتلافهم.
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)}.
نريد أن نَمُنَّ على المستَضْعَفِين بالخلاص من أيديهم، وأَنْ نجعلَهم أئمةً، بهم يَهْتَدِي الخلْقُ، ومنهم يتعلم الناسُ سلوكَ طريق الصدق، ونبارك في أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار مَنْ يُنَاويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم؛ فهم هُدَاةٌ وأعلامٌ، وسادةٌ وقَادَةٌ؛ بهم يُقْتَدَى وبنُورِهم يُهْتَدَى.
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الأَرْضِ} نُزِيلُ عنهم الخوفَ، ونرزقهم البسط والاقتدار، ونمد لَهُمْ في الأجل. ونُرِى فرعونَ وهامانَ وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال مُلْكِهِم على أيديهم؛ وأَنَّ الحقَّ يُعْطِي- وإن كان عند الخَلْق أَنَّهُ يُبْطي. اهـ.